الناشطة الحقوقية سارة بيصر تكتب: علاقات مُرهقة

0 206

لما بنتعامل مع بعض كبشرٍ، احنا مش بنتعامل مع أشخاص بيحملوا أسماء معينة، أو وظائف معينة، أو أشكال معينة فقط.
لكن، احنا كمان بنتعامل مع تركيبات نفسية اتشكلت من مؤثرات، وتراكمات نفسية بداخل كل حد فينا.
بعدد أيامه اللي عاشها على الأرض، وبعدد الجينات، والصفات الوراثية اللي ورثها عن أسلافه، وبمدى تأثيرات البيئة المحيطة عليه، وخبراته في الحياة.
ده شيء بيفسر برضه ليه كتير من العلاقات الإنسانية بقت مرهقة، وغير سلسة أو منطقية؛ لأن كتير من التركيبات النفسية اللي انتجت مجتمعنا المعاصر، هي تركيبات نفسية غير سوية، بينتج عنها تصرفات وسلوكيات غير منطقية.
وخاصةً في المجتمعات الشرقية، اللي بتنشأ فيه منظومة متكاملة من القهر الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والفكري، بالإضافة للكبت الروحي والنفسي والعاطفي، واختلال في صورة الإنسان أمام نفسه، وعلاقته مع نفسه، وعلاقته مع الآخرين.
ونضيف على ده، وقوعه في صراع المسلم به من الموروث من العادات والتقاليد، وبما يفرضه الواقع المجتمعي الحداثي من تغيرات، وده بيتجلى بشكل كبير في علاقة الرجل بالمرأة، بما تحمله من تناقضات فكرية، بتخرج بينا من إطار التصرفات الإنسانية السوية والعقلانية، لإطار الاضطراب الفكري والسلوكي في التعامل بينهم.
كل دي معطيات، بتخلينا عرضة للوقوع في فخ مجموعة من العلاقات البشرية المرهقة، اللي بتصل لإنها تكون علاقات مؤذية للروح، والذهن، والنفس.
فيه أسطورة في الميثولوجية اليونانية، اسمها أسطورة (سيزيف)، سيزيف حكمت عليه الآلهة ، ان يشيل صخرة ضخمة، ويطلع بها الجبل، وقبل ما يوصل لمنتهاه، تقع الصخرة، فيعيد حملها من جديد، ويطلع بها الجبل تاني، وفي كل مرة يوشك أن يصل للمنتهى تسقط وتنحدر مرة أخرى.
وهكذا عوقب سيزيف بعقوبة مثيرة للشفقة، والجنون في نفس الوقت.
الموضوع ده بيحصل بالظبط لما بندخل دايرة من دوائر العلاقات المرهقة، بتستهلك روحنا، وتستنفذ طاقتنا، دون الوصول لنهاية.
أشكال العلاقات دي كتير جداً، زي:
– العلاقات اللي بتضطر فيها تبرر نفسك، بمعنى: انك تشرح وتفسر نفسك كل شوية، نتيجة وضعك في قالب معين.
مثلاً: لو كنت حد مثقف شوية، بتكون مضطر تفسر انك مش عميق على طول الخط، وانك إنسان عادي، بتحب تضحك، وتهزر.
لو كنت إنسان محافظ أو متأني في مشاعرك بتكون مضطر ان توضح انك برضه إنسان طبيعي، وجواك طاقة حب واحتواء طبيعية.
لو كنت بتهتم بمظهرك، وشكلك فهتكون مضطر ان توضح للطرف التاني، ان ده مش يعني انك مغرور، ولا شايف نفسك.
باختصار انت في النوع ده من العلاقات، بتتعامل مع حد عنده عدم القدرة على فهم، وإدراك روحك، أو مش عايز يشوفها، وبيصنفك ويحطك في قالب ونمط معين، بتكون مضطر معاه لنفي النمط ده عن نفسك، والتأكيد ان القالب ده مش بتاعك باستمرار.
– أو العلاقات اللي بتضطر تخضعها لعمليات ترقيعية، كل يوم، وكل ثانية، عشان تداري فجوتها، وتمزقاتها، وتحافظ عليها، وكل ما تنجح في رتق جزء، بينفتح جزء تاني.
في الحالة دي بتكون في علاقة غير متناغمة، شايف عيوبها بكل وضوح، ورغم كده بتحمل نفسك مشقة اصلاحها، في ظل ان الطرف التاني مش مبالي بالمرة.
– نوع كمان من العلاقات المرهقة، هي العلاقات اللي بتضطر تعمل فيها من اللي حواليك أصنام، وتقدسها.
بمعنى: ان تعمل لشخص ما صنم كصديق، أو صنم كحبيب، أو صنم كداعم.
لكن، فعلياً وواقعياً، انت بتحطه في مكان مش مكانه، في مكان مش بذل ما يستحق انه يوصل له.
والمشكلة الرئيسية للنوع ده من العلاقات، انك بتصطدم في النهاية انك كنت عايش وهم، وان اللي في حياتك دول أصنام مش أكتر.
– من العلاقات المرهقة برضه، العلاقات الضبابية، أو اللي مش واضحة، ودي نوع من العلاقات مش واضح ماهيتها، بيكون صديق، وفجأة يقرب منك كحبيب، يديك كل الاهتمام في الاطار ده، ولما يحصل نوع من التعلق، يسحب الاهتمام .
تقرب منه يبعد.
تبعد عنه، يقرب.
كل ساعة بحال، ومفيش بر بيرسى عليه.
أو بيطلب ان يشوفك ويقابلك، مبدياً كل الاهتمام كصديق، عايز يطمن على أخبارك، فتكون متحمس ان تشوفه، وتتكلموا مع بعض، وتفضفضوا، ولما يشوفك تلقيه جايب ورقة وقلم، ومهيأ لاجتماع عمل معاك، وبيرتب شغل.
– أو العلاقات الباردة، اللي مش فيه حاجة بتفرح الطرف التاني، بتدي وقت، ومجهود، بتهتم، بتدي مشاعر، بتستهلك نفسك مع إنسان هو عامل زي قطعة الثلج، الموضوعة في درجة حرارة متجمدة، فلا بتسيلٍ، ولا بتلين.
نبرة صوته باردة وماشية على نغمة واحدة، تعبيرات وجهه باردة.
وانت بتدي لحد ما تستنزف طاقتك، والطرف التاني صحراء جافة مش فيها مشاعر، أو تقدير للمشاعر، أو جبل ثلج.
– أو العلاقة مع حد العنصر الأساسي اللي مكون مشاعره وأفكاره النار والحمم البركانية، الشخص ده ببكون بيغلي باستمرار، والنار اللي جواه بتحرق اللي حوليه، وبتحرقه في نفس الو قت.
ممكن يكون أول مرة يشوفك، وبيتعامل معاك بكل عدوانبة، من غير ما يعرفك.
هو في حالة من الغيرة والحقد باستمرار، حتى مع أعز أصدقائه، حتى مع شريك حياته، بيطفيه ويكره نجاحه.
النوع ده مش بيقدر يعيش في سلام نفسي أبداً، بيعذب اللي حوليه، وبيعذب نفسه، وبيكره نفسه، ويكره اللي حواليه.
مهم جداً نعرف ايه العلاقات المرهقة في حياتنا، ومش ندخل دايرتها، ونفضل ندور فيها، ونعاقب نفسنا بها، زي ما اتعاقب سيزيف.
مهم تعرف ان العلاقات المرهقة ممكن تكون في بداية دخولك دايرتها، وطول استمرارك فيها، بتكون بتقنع نفسك إنها ذو أهداف نبيلة منك، زي انك متعاطف مع شخص ما، معجب بشخص ما، عايز تعمل جدع مع شخص ما، صاين العشرة ومش عايز تبيع.
لكن، مهم برضه نكون عارفين تأثيرات العلاقات دي علينا، وانها في أبسط تأثيرتها هتصيبنا بالطاقة السلبية، والإرهاق والأذى النفسي والمعنوي، واننا ممكن نكون بنستغل، أو بنستنزف.
مهم نواجه ، بمعنى : ان نوجه رسائل واضحة وصريحة للأشخاص دي ان أسلوب تعاملهم مرهق، ومؤذي، ومش مقبول، ومش سوي.
في جميع الأحوال المواجهة مش هتخسرنا أكتر من اللي ممكن نخسره في ظل الاستمرار في علاقات مرهقة.
والأهم من ده كله، بلاش نعيش دور الضحية، ونستعذب الألم والإرهاق النفسي؛ لأن ببساطة السعادة والارتياح حق يجب أن نحرص على كفالته في أغلب علاقتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.