د.سحر المهدى تكتب:أزمات إقتصادية وعلاقتها بإرتفاع الأسعار

0 133

مع حلول شهر رمضان الكريم هناك أزمات اقتصادية تعيشها كثير من المجتمعات، ليس في محيطنا العربي فحسب، بل في كل مجتمعات العالم .. وغلاء فاحش في أسعار السلع يشعر به الغني كما يشعر به الفقير، ومع ذلك نجد هناك زيادة واضحة في معدلات الاستهلاك تصل إلى مرحلة السرف الاستهلاكي بين مختلف فئات المجتمع.. فهل هناك علاقة بين زيادة معدلات الاستهلاك وارتفاع الأسعار؟ وإلى أي مدى يمكن للمستهلك الاستغناء عن بعض السلع أو مقاطعتها أو حتى الإقلال من شرائها؟ وما تأثير ذلك على أسعار السلع خاصة إذا كانت غير ضرورية أو كانت سلعاً ترفيهية؟
الواقع أن العلاقة وثيقة بين زيادة الاستهلاك وارتفاع الأسعار، ذلك أن التاجر، خاصة إذا لم يكن على قدر من الأمانة والالتزام الشرعي، يسعى لاستغلال أي فرصة لزيادة السعر، ومبرراته في ذلك حاضرة في كل وقت، يساعده في ذلك عجز الجهات الرقابية عن ملاحقته أو معاقبته، فإذا ما وجد المستهلك مقبلاً على سلعة ما، زاد ثمنها، وتتفاوت هذه الزيادة تبعاً لأهمية السلعة ومدى ضرورتها للمستهلك، فإذا كانت من السلع الضرورية كنوع معين من الغذاء مثلاً، زاد تمسك التاجر بالزيادة، فضلاً عن أن هناك تجاراً محترفين ما إن يشعروا بحاجة الناس إلى السلعة حتى يقوموا بإخفائها، ولو لبعض الوقت، ثم يعيدون طرحها من جديد في وقت محدد بالسعر الذي يريدونه، وهم يعلمون يقيناً أن المستهلك لا يمكن له الاستغناء عنها، وهذا هو الاحتكار المحرّم الملعون صاحبه.
الغالبية العظمى من الناس لا يعوّلون كثيراً على أجهزة حماية المستهلك، خاصة أن دورها محدود للغاية، بل يكاد يكون معدوماً في بعض المجتمعات، وهنا يكون دور المستهلك، فهو الوحيد القادر على أن يعيد الأسواق إلى رشدها، هذا إذا كان لديه من الوعي ما يجعله يعزف عن شراء السلعة أو على الأقل الإقلال منها قدر الإمكان، وهو ما اصطلح الناس على تسميته بـ«المقاطعة»، خاصة إذا كان هناك بديل لهذه السلعة.
هذا يحدث في كل المجتمعات، ولكنه يتفاوت طبقاً لثقافات الشعوب، وشعوبنا العربية بطبيعتها من أقل الشعوب من حيث معدلات الادخار، على الرغم من أن الادخار يمثل جزءاً مهماً من المنظومة الاقتصادية للدولة، إذ يعاد ضخه في شرايين الاقتصاد عن طريق الاستثمار والإنتاج، وفي النهاية يعود نفعه على المواطن نفسه.
إذن نستطيع أن نقول إن العلاج يكمن بيد المستهلك إلى حد كبير، لا بأيدي الجهات الرقابية المسؤولة، لكن هناك بعض المواطنين يعانون من شَرَه في الإنفاق وفي الاستهلاك أيضاً، منهم الغني الذي تساعده ظروفه المادية على ذلك، لكن ماذا عن الفقير ومحدود الدخل الذي أصيب بهذا المرض «الشره الاستهلاكي»، حيث يسعى إلى شراء السلعة حتى وإن لم يكن يملك ثمنها؟!، بل أكثر من ذلك قد تكون السلعة لا تمثل ضرورة بالنسبة له، ولكنها «ثقافة» التقليد والمباهاة، إذ كيف يكون أقل قدراً من هذا أو من ذاك، ولو كان ذلك على حساب قوته وقوت أسرته؟
هذه ثقافة يجب أن تتغير، ولابد أن يدرك الناس حجم المشكلة وتبعاتها وأضرارها، فمع الإعلانات المضللة التي تعرضها شاشات التلفاز، والإغراءات التي تقدمها محال البيع بالتقسيط، أصبح بمقدور الشخص إطلاق العنان لرغباته في شراء كل ما يريد دون تفكير في عواقب الأمور؛ حيث يلزم نفسه بالسداد في تواريخ محددة، وقد يأتي التاريخ ولا يستطيع السداد .. وهنا تكون المشكلة.. والأمثلة على ذلك تكاد لا تحصى، فساحات المحاكم وزنازين السجون مليئة بهؤلاء الضحايا.
ما أحوجنا إلى تغيير سلوكياتنا في الإنفاق والاستهلاك، والحد من إهدار الموارد والأموال في إسراف غير مبرر، وتبذير غير مقبول، إذ كيف نسرف ثم نشكو قلة الدخل ومحدودية الرزق؟ وصدق الله القائل (والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يَقتُروا وكان بين ذلك قواماً) الفرقان 67.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.