للنظر ثقافة !

0 127

كانت تترصد كل حركاتي وسكناتي فيما أجلس بهدوء تام في قاعة انتظار السيدات بعيادة منطقتنا ، حتى بدأت أشعر أن نظراتها الحادة بدأت تتخللني مجتازة عظامي الناتئة لتستقر في النخاع !
حرارتي ترتفع وأطرافي متجمدة من التوترونظراتها تزداد حدة وعدوانية ، تعمدت مبادلتها النظر حتى تتنبه ، لا جدوى ، و ازدادت ( قاعة الأنس) امرأتين تشد أحدهما طفل في الرابعة من عمره ، سرعان ما انضمتا لحبيبتي الأولى ، فجالت نظراتهما الصاروخية في المكان ثم في تحسس ملامح بقية المريضات ، لتستقر النظرات في النهاية علي ، حتى بدأت أشك في هيئتي ، في ملابسي ، في ملامحي ، أيعقل أن تتسبب لي عوارض مألوفة كالكحة وارتفاع طفيف في درجة الحرارة بقلب ملامحي لأبدو كفضائية ترتدي عباءة و تشارك عدد من (الأرضيات) المساحة المكانية ذاتها .
وفجأة أسعفتي ذاكرتي المحمومة بتذكر مقولة لشارلز جوردي ( السلام يبدأ
بابتسامة ) وابتسمت !
أخفقت المحاولة ، حتى أن العدوى انتقلت للولد الصغير ( حمود ) كما كانت تناديه إحداهما فضاقت حدقتا حمود لشدة تركيزه وإمعانه النظر في الوجوه
دون أن ينبس ببنت شفه ويعلو وجهه الجمود .
أردت أن ألطف الجو برذاذ من المرح على الأقل من أجل عيون ( حمود ) المجهدة في النظر فالتقطت أدعية في أحجام صغيرة كانت متناثرة بغير ترتيب فوق الطاولة التي تتوسط المقاعد ( حمود ! تفضل هذه أدعية أعطها لماما وخالوه ، حتى يمر الوقت بأجر وحسنات )
في هذه اللحظة انتفخت أوداج من أظنها أم حمود وأمسكت بكتف حمود الذي تلوى وجعا وهمت بالوقوف ( ما شاء الله ! أول مرة ألاحظ أنها عريضة وطويلة هكذا ، واستشعرت بغريزة البقاء أني سأسحق بدلا من أن أتلقى العلاج .
وحدها رحمة الله نجتني حينما دخلت الممرضة حاملة ملف أحمر ونادتني باسمي الثلاثي لمراجعة الطبيبة المختصة ، حقا إنها ملاك الرحمة بل ملاك!
وهرولت طبعا نحو مكتب الطبيبة تاركة أم حمود ترغد وتزبد في غيظ !
أدركت من يومها أن للنظر ثقافة يجهلها الكثير منا ، حيث يملأون فراغ الوقت بفراغ النظرات ، تصادف هؤلاء في كل وقت وفي كل مكان في مراكز التسوق ، وفي المطاعم في أثناء انجازك لمعاملاتك في المؤسسات والدوائر المختلفة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.