كلمة الرئيس السيسي في افتتاح أسبوع القاهرة للمياه
وضعت مصر الخطة الاستراتيجية لإدارة الموارد المائية حتى عام ٢٠٣٧ بتكلفة تقديرية مبدئية "٥٠" مليار دولار
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة ضيوف مصر الكرام،
يسعدني الترحيب بكم، في الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه ٢٠٢١ من على ضفاف نهر النيل واهب الحياة لملايين المصريين وباعث الخير والنماء منذ فجر التاريخ، لحضارات شعوب وادي النيل والتي أسهمت ولا تزال، بدور رئيسي في صياغة التراث الإنساني وصناعة الفكر البشري على مر العصور.
السيدات والسادة،
يأتي اختيار موضوع أسبوع القاهرة للمياه، في دورته الرابعة وهو “المياه والسكان والتغيرات العالمية – الفرص والتحديات” في وقت يشهد فيه العالم تغيرات سريعة تؤثر على الموارد المائية، وتجعل الإدارة المثلى لها عملية غاية في التعقيد.
وغنى عن البيان، أن أزمة المياه من أبرز التحديات الدولية الملحة بسبب الزيادة المطردة في عدد سكان العالم مع ثبات مصادر المياه العذبة فضلًا عن التدهور البيئي، وتغير المناخ والسلوك البشري غير الرشيد من خلال إنشاء مشروعات مائية غير مدروسة، بدون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية الدولية.
إن كل تلك العوامل، إنما تسهم في تفاقم الأزمة وتؤثر على قدرة الدول، في الوفاء باحتياجات شعوبها من المياه مما يحول مسألة إدارة الموارد المائية، إلى تحد يمس أمن وسلامة الدول والشعوب وقد يكون من شأنه، التأثير على استقرار أقاليم بأسرها.
وفي ظل هذه الأزمة الدولية الحرجة وانطلاقًا من يقين ثابت لدى مصر بحتمية التعاون الدولي والعمل متعدد الأطراف، وفي القلب منه منظومة الأمم المتحدة انخرطت مصر بصورة بناءة في “مسار عقد المياه للأمم المتحدة ٢٠١٨ – ٢٠٢٨” حيث شاركنا بفاعلية في مختلف مراحله بل وبادرنا بالتنسيق مع عدد من الدول الصديقة لإطلاق بيان مسار عقد المياه، ومؤتمر الأمم المتحدة المرتقب، لمراجعة منتصف المدة الشاملة لعقد المياه في مارس ٢٠٢٣.
من ذات المنطلق، رحبت مصر بوضع أسبوع القاهرة للمياه، في دورتيه الرابعة الحالية والمقبلة في أكتوبر ٢٠٢٢ على مسار عقد المياه الأممي لفتح نقاش موسع شامل بين مختلف أصحاب المصلحة: من الحكومات والمجتمع المدني، والخبراء والأكاديميين، والمرأة والشباب وذلك بهدف دفع الجهود الدولية الرامية لمواجهة التحديات المائية خاصة ما يتعلق بندرة المياه وتأمين وصول الإنسان إليها وتعزيز التعاون العابر للحدود بغرض بناء أطر تكاملية ترسخ الاستقرار الإقليمي، على أسس المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة.
السيدات والسادة،
على الصعيد الوطني، تؤمن مصر إيمانًا راسخا بأن دفع جهود التنمية يعد شرطًا أساسيًا لتعزيز السلم والأمن الدوليين، وإقامة نظام عالمي مستقر ولقد تبنينا الرؤية الشاملة “مصر ٢٠٣٠” في برنامج وطني طموح يخاطب كافة مناحي الحياة وأولينا فيه أولوية قصوى للهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المعني بالمياه كما وضعت مصر الخطة الاستراتيجية لإدارة الموارد المائية حتى عام ٢٠٣٧ بتكلفة تقديرية مبدئية “٥٠” مليار دولار وقد تتضاعف هذه التكلفة نتيجة لمعدلات التنفيذ الحالية حيث ترتكز الخطة على أربعة محاور رئيسية:
أولًا – تحسين نوعية المياه ومنها إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية.
ثانيًا – تنمية موارد مائية جديدة حيث شهدت الفترة الماضية، اتجاهًا وطنيًا متناميًا، لتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر.
ثالثًا – ترشيد استخدام الموارد المائية المتاحة، ورفع كفاءة منظومة الري المصرية حيث تبنت الدولة مشروعًا قوميًا لتبطين الترع، والتحول لنظم الري الحديثة بغرض تحقيق أقصى استفادة ممكنة من مواردنا المائية المحدودة.
رابعًا – تهيئة البيئة المناسبة، بما يتماشى مع برامج العمل والمشروعات المائية وذلك من خلال التطوير التشريعي والمؤسسي وزيادة وعي المواطنين بأهمية ترشيد المياه، والحفاظ عليها من كافة أشكال الهدر والتلوث.
وتخطو مصر هذه الخطوات، في مواجهة تحديات جمة ومركبة فنصيب الفرد من المياه في مصر لا يتجاوز “٥٦٠” مترًا مكعبًا سنويًا في الوقت الذي عرفت الأمم المتحدة الفقر المائي، على أنه “١٠٠٠” متر مكعب من المياه، للفرد في السنة كما أن مصر هي أكثر الدول جفافًا في العالم بأقل معدل لهطول الأمطار بين سائر الدول مما يؤدي للاعتماد بشكل شبه حصري، على مياه نهر النيل، التي تأتي من خـارج الحـدود لذا تضع هذه المعادلة المائية الصعبة، حالة مصر كنموذج مبكر، لما يمكن أن يصبح عليه الوضع في العديد من بلدان العالم، خلال المستقبل القريب مع استمرار تحديات الندرة المائية وعدم التمكن من تكريس التنسيق والتعاون العابر للحدود على نحو يتسم بالفعالية، وفقًا لقواعد القانون الدولي ذات الصلة.
وفي هذا الصدد، يتابع الشعب المصري عن كثب، تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي وأود أن أؤكد تطلعنا للتوصل في أقرب وقت – وبلا مزيد من الإبطاء – لاتفاقية متوازنة وملزمة قانونًا في هذا الشأن اتساقًا مع البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن في سبتمبر ٢٠٢١ بما من شأنه تحقيق أهداف إثيوبيا التنموية وهي الأهداف التي نتفهمها، بل وندعمها وبما يحد في الوقت ذاته، من الأضرار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، لهذا السد على مصر والسودان وذلك على أساس من احترام قواعد القانون الدولي وعلى النحو الذي يكرس التعاون والتنسيق.
السيدات والسادة،
ختامًا، أود أن أؤكد على أهمية إعلاء مبادئ التعاون والتضامن الدولي بما من شأنه، تمكين شعوبنا من مواجهة التحديات العالمية الراهنة، اتصالًا بموضوعات المياه حتى ننجح في مواجهتها بالتعاون معًا ونتفادى أن نقع في براثن التناحر حولها فلا يخرج منا أحد فائزًا، في صراع متهور حول مصدر الحياة الواجب توفيره لكل إنسان دون تفرقة.
لذا أدعوكم جميعًا، إلى الانخراط على نحو بناء، يتسم بالموضوعية والشفافية، في فعاليات الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه وإطلاق حوارات معمقة تتناول مختلف أبعاد قضايا المياه بما في ذلك جوانبها الفنية والسياسية والقانونية والبيئية والتنموية والاقتصادية.
كما أرجو أيضًا، أن تتيح نقاشاتكم مزيدًا من تطوير المفاهيم والمبادئ، ذات الصلة بتعزيز الإدارة الرشيدة والمستدامة للموارد المائية وحث الدول التي تشاطئ الأنهار الدولية، على إعلاء قيم التكامل والمشاركة وتفعيل قواعد العدالة والإنصاف، وعدم الإضرار بمصالح جيرانها.
وأؤكد لكم أن مصر لن تدخر جهدًا، في دفع أجندة المياه في الأمم المتحدة والمحافل متعددة الأطراف وتأمين حصولها على الاهتمام اللازم، الذي يتسق مع قيمة المياه، التي لا تقدر بثمن والتي ترتبط ببقاء الإنسان وحياة الشعوب بأسرها.
وشكرًا.
التعليقات مغلقة.