الدولة العربية تتجه بسرعة للمستقبل الأكثر سخونة الذي تحاول قمة “كوب 27” تجنبه

68

حينما انضم المُزارع شكري محمد عبد السلام إلى برنامج حكومي يُعلّم كيفية زراعة القطن والخضروات في الصحراء، كان حلمه توسيع مزرعته الصغيرة يوماً ما. وبعد 20 عاماً من هذا التاريخ مايزال عبد السلام يستخدم الوسائل نفسها التي تعلمها في هذا البرنامج فقط لضمان استمرار محاصيله، في ظل تسرب الملح من البحر المتوسط الذي يتزايد منسوبه إلى الآبار الموجودة حول مزرعته ويسمم التربة.

تزداد درجة حرارة كوكب الأرض، لكن وتيرة السخونة في مصر أسرع، ما يجعلها في الصف الأول بمواجهة الآثار المؤلمة الناتجة عن تغير المناخ. كما أن دلتا النيل، التي كانت بمثابة سلة خبز الحضارة المصرية، ويوجد فيها مزارع عبد السلام، أصبحت قاحلة تدريجياً. يقول المزراع المصري: “أعمل في هذه الأرض منذ أكثر من 50 عاماً. وشهدت حروباً وثورات وتغيرات كبيرة. لكن المياه أكبر مصادر قلقي”.

عندما يصل زعماء العالم إلى مصر في نوفمبر الجاري لحضور محادثات قمة المناخ “كوب 27” (COP 27) التي ترعاها الأمم المتحدة، سيكونون بذلك داخل دولة تعيش بالفعل في المستقبل الحارق. فمصر اليوم أكثر سخونة بما يقرب من درجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه في بداية القرن العشرين. في عام 2015، حددت اتفاقية باريس هدفاً يتمثل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم أقل من حد درجتين مئويتين بحلول 2100. لكن نظراً لأن مصر تسخن بمعدل يناهز ضعف سرعة بقية الكوكب تقريباً، فهي من أوائل الدول التي تصل إلى المستقبل الأكثر سخونة الذي تحاول محادثات قمة المناخ المساعدة في تجنبه.

عامل يحمل حزمة قمح محصود في حقل في قرية رحمة بالفيوم
عامل يحمل حزمة قمح محصود في حقل في قرية رحمة بالفيوم
المصدر: بلومبرغ
مخاطر أكبر
تسببت عدة أشهر من درجات الحرارة القياسية والجفاف والفيضانات والحرائق حول العالم في زيادة المخاطر قبل قمة هذا العام، المقرر عقدها في منتجعات مدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الأحمر. خلال الصيف، شهدت مصر موجات حرارية عالية تجاوزت 40 درجة مئوية. أصبحت درجات الحرارة الشديدة الآن شائعة في الربيع والخريف أيضاً. شهد شهر أبريل، مثلاً، ارتفاع الحرارة في العاصمة المصرية القاهرة إلى 39 درجة مئوية. تعزز هذه الآثار مطالب الحصول على الدعم المالي في مصر والدول النامية الأخرى، المسؤولة عن جزء بسيط من الانبعاثات التاريخية، لكنها تدفع تكاليف بيئية واقتصادية وبشرية قاسية.

في هذا الشأن يقول محمد عبد ربه، رئيس مركز بحوث التأقلم مع التغيرات المناخية بالإسكندرية: “علينا أن نسأل أنفسنا ما أنواع الحياة التي نرغب في عيشها، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبقاء هنا على قيد الحياة. وإنما بالقدرة على الشعور والتصرف كإنسان، لتطوير وعيش حياتنا بالطريقة التي مارستها البشرية عبر التاريخ”.

وجد عبد السلام وملايين مثله طرقاً للصمود حالياً في بلد أصبح أكثر سخونة، بالاعتماد على ما هو أكثر بقليل من إمكاناتهم الخاصة. وبدون الحصول على مساعدة، لا يتضح ما يمكنهم فعله للمقاومة مستقبلاً، فيما يواجهون ظروفاً صعبة لا حصر لها، مثل ارتفاع منسوب البحار، والجفاف، والتصحر، والحرارة القاتلة. فالدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الشرق الأوسط بمثابة دراسة حالة لما يمكن أن يحدث عندما تفشل جهود التكيف مع الاحتباس الحراري.

تبلغ مساحة مصر ضعف فرنسا تقريباً، وهي بلد صحرواي تقريباً. في الوقت الحاضر، يعيش 95% من سكانها على 5.5% فقط من أراضيها، ومعظمهم على طول ضفاف النيل، شريان الحياة للبلاد عبر التاريخ. مع انحسار تدفق النهر واتساع الصحراء، تضيق السبل أمام المصريين.

حتى إذا نجحت محادثات “كوب 27” في تشجيع الدول على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإيجاد طرق لتمويل التعافي من الكوارث المناخية، فإن تطبيق التغييرات على الأرض سيستغرق سنوات حتى تظهر أثاره.

التعليقات مغلقة.